
بقلم: عبير بعلوشة -
في أمسية فنية دافئة، احتضن إليوجن كافيه فعالية خاصة بمناسبة اليوم الدولي للفن الإسلامي، تحت رعاية اليونسكو، اجتمع فيها عشّاق الفن والكلمة ليستمعوا لحديث الفنان التشكيلي زهير مليباري حول العلاقة العميقة بين الأدب والفن التشكيلي.
قدّم مليباري خلال الأمسية رؤية ثرية حملت للحضور حوارًا بين اللون والكلمة، بين اللوحة والنص، بين الخيال والواقع. وفي نهاية الأمسية كان لنا هذا اللقاء معه:
س: بداية، كيف ترون العلاقة بين الأدب والفن التشكيلي؟
ج: العلاقة بين الأدب والفن التشكيلي علاقة وثيقة، فهما لغتان إنسانيتان للتعبير عن الأفكار والمشاعر. يكمل كل منهما الآخر؛ فالفن يترجم الفكرة الأدبية إلى صورة، والأدب يترجم الصورة الفنية إلى كلمات تُسمع وتُقرأ.
وتقوم علاقتهما على عدة نقاط:
أولًا: جوهرهما التعبير
الأدب يعبّر بالكلمة، والفنان التشكيلي يعبّر باللون والخط والشكل والمساحة، وكلاهما يسعى إلى الجمال وإلى خلق مشاهد مؤثرة.
ثانيًا: أوجه التشابه بينهما
1. الخيال والإبداع: فالأديب يرسم بالكلمات، والفنان بالألوان والخطوط.
2. الرمزية والتأويل: القصيدة تُقرأ بعدد من المعاني، وكذلك اللوحة تُفسَّر بطرق مختلفة.
3. الزمان والمكان: الأدب يحدد الزمان والمكان عبر الأحداث، بينما تختزل اللوحة تلك التفاصيل في لحظة بصرية واحدة عميقة.
ولهذا يرى النقّاد أن الأدب والفن يلتقيان في انسجامٍ وتكامل، رغم اختلاف وسائلهما
س: كيف يمكن ترجمة الأدب إلى لون؟ وكيف تتحول الجملة إلى لوحة؟
الكثير من الأدباء استلهموا من اللوحات أعمالًا أدبية — قصصًا أو قصائد — تستحضر اللوحة رمزًا ومعنى، كما حدث مع الموناليزا التي ألهمت شعراء وكتّابًا عبر التاريخ.
وفي المقابل، استلهم فنانون تشكيليون موضوعات لوحاتهم من الروايات والقصائد، مثل لوحات جسدت مشاهد من ألف ليلة وليلة أو من الشعر العربي القديم.
وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهر جيل من الشعراء تأثروا بالفن التشكيلي، وخاصة بالمدرسة السريالية والدادائية. وجد الشعراء في تلك المدارس مساحات بصرية تلهم الخيال، ومصادر قوية لتوليد الصور الشعرية، حتى أن العلاقة بين الفنان والشاعر أصبحت علاقة تعاون وتبادل تأثير.
س: وهل تستطيع اللوحة بالفعل أن تجسّد مشهدًا أدبيًا؟
-خير مثال على ذلك ما فعله الشعراء والفنانون الشباب بعد الحرب العالمية الثانية. فقد وجدوا في السريالية لغة بصرية تعبّر عن المشاعر المتناقضة: الحب، الغضب، الحقيقة، والخيال. ومن خلالها استطاع الفنان والشاعر إعادة صياغة الأشكال، ورؤية العالم بمنظور جديد.
وقد تصدّرت التكعيبية والسريالية المدارس الأكثر تأثيرًا على الأدباء، حتى أن بيكاسو وبراك كانوا على علاقة وثيقة بالشعراء، يلتقون ويكتبون الشعر.
س: أين يلتقي الأدب والفن؟
-يلتقي الأدب والفن عند نقطة الإلهام. كلاهما ينطلق من لحظة شعورية أو فكرة داخلية تتحول إلى نص أو لون. وهما لغتان للتواصل الجمالي، يعملان معًا على بناء ذائقة الإنسان وتوسيع رؤيته للحياة.
الفنون تنهل من الأدب، والأدب يستثمر في الفنون. إنها علاقة تكامل لا انفصال.
س: هل يمكن القول إن بينهما لغة مشتركة؟
_أستشهد هنا بما يقوله الأستاذ الطيب تشرين:
“العلاقة بين الأدب والفنون الجميلة علاقة تكامل وانصهار، فالقصيدة والرواية صورة ناطقة، تتقاطع مع الرسم والنحت والموسيقى.”
وتقول الناقدة خديجة الحنافي:
“الأدب لوحة فنية تؤسسها قيم جمالية، تحمل رسالة قد تكون صريحة أو مشفّرة.”
أما الناقد اللاتيني هوتس فلاكس فيؤكد:
“الشعر والرسم وجهان لثقافة المجتمع وجمالياته عبر الزمن.”
س: ما الرسالة التي أردتم إيصالها في هذه الأمسية؟
الكلمة والعمل البصري قوة فنية واحدة.
فاللوحة صورة، والأدب صوت.
والعمل التشكيلي في جوهره قصيدة صامتة، كما أن الأدب لوحة تُقرأ ولا تُرى.
ختاما كانت الأمسية مساحة دفء وجمال… مساحة جمعت الفنون كلها تحت ضوء واحد.
ومع الفنان زهير مليباري اكتشفنا كيف يمكن للأدب أن يرسم، وكيف يمكن للون أن يتكلم، وكيف تتداخل الفنون لتصنع جمالًا يتجاوز حدود الأدوات والوسائط.
لقاء ثري… وذكرى تبقى في ذاكرة الفن



