الألم الذي يسكنك… وليس في جسدك

بقلم د. محمد بن أحمد ابن غنيم المرواني -
هناك أوجاع لا تسكن الجسد، لكنها تستقر في أعمق نقطة من الروح. أوجاع لا يراها أحد، ولا يفسّرها منطق، ولا ترتبط بجرحٍ ظاهر أو مرضٍ معروف. إنها تلك الرجفة الخفيفة التي تهزّ الضمير حين تصل إلى قلبك حكايةُ إنسانٍ لا تعرفه، أو حين تسمع صوتًا مكسورًا لا يمتّ إليك بصلة… لكنها تلامس شيئًا خفيًا فيك، شيء يشبه الوتر المشدود الذي ينتظر لمسة واحدة ليهتزّ.
الألم الذي يسكنك بلا سببٍ مباشر… هو أصل الإنسانية.
فالإنسان بطبيعته يشعر بأوجاعه، يحزن لفقده، ويتألّم لجروحه. هذا شيء فطري، طبيعي، لا يثير تعجّبًا ولا يقدّم شهادة على شيء. لكن الامتحان الحقيقي للروح يبدأ حين يتجاوز الإحساس حدود الذات؛ حين تشعر بوجع الآخر وكأنه لك، رغم أنك لم تعشه، ولم يمرّ بك، ولم يقترب منك أحد أطرافه.
هناك مَن يتألّم لأجل الغريب…
لأجل إنسان لم يلتقِ به يومًا…
لأجل قصة لم تُكتب لأجله…
لأجل معاناةٍ لم تمرّ ببيته ولا بقلبه ولا بتاريخ أسرته.
ومع ذلك، توقظه، وتربكه، وتُحدِث داخله شرخًا صغيرًا لا يعرف كيف يشرحه. هذا النوع من الألم لا يُكتسب من التجارب، بل يولد مع الأرواح الراقية التي أبقت شيئًا من نقائها رغم قسوة العالم.
ذلك هو الألم الذي يصنع الخير في الأرض.
ذلك هو الدافع الأول لكل مساعدة، ولكل مبادرة، ولكل يدٍ تمتد دون انتظار مقابل.
ذلك هو الجوهر الذي يصنع المتطوعين، ويُقيم الجمعيات، وينصر الضعفاء، ويواسي المنكسرين.
الإنسانية ليست شعارًا نعلّقه على الجدران… بل ارتجافة داخلية تحدث دون أن ننتبه.
هي أن يتوقف قلبك لحظةً عند رؤية مأساة بعيدة؛
أن تنقبض داخلك وأنت تقرأ خبرًا لا علاقة لك به؛
أن تشعر أن شيئًا من روحك يذوب حين يعجز أحدهم عن النجاة؛
أن تنكسر دون جرح… وتتألم دون سبب… وتبكي دون أن تكون أنت صاحب الحكاية.
هذه هي الإنسانية كما أفهمها…
الإحساس الذي يتجاوز حدود الجسد… ويتخطّى أسوار النفس… ويذهب مباشرة إلى مساحة صغيرة يسمّيها البعض “الضمير”، وأسميها أنا “أصل التعاقد بين البشر”.
و هو ما واضحه رسول الرحمة حين قال
«مَثَلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم، مَثَلُ الجسدِ الواحدِ؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تَداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهَرِ والحُمّى»
كما قال : لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
فالبشر، مهما اختلفت ألوانهم وأوطانهم وعقائدهم، يرتبطون بعهد غير مكتوب:
أن يشعر كل واحدٍ بوجع الآخر…
أن ينصره إن استطاع…
وأن يواسيه إن عجز.
ذلك هو سر التعاون، وسر الرحمة، وسر وجودنا معًا على هذه الأرض.
إنه الألم الذي لا يسكن الجسد… بل يسكن الإنسان.



دام مداد قلمك الفريد سعادة الشيخ الدكتور الكاتب الأنيق الممتع المتألق دوماً محمد بن أحمد بن غنيم المرواني الجهني
يالهي ما أعظم ما كتبت وما أجمل مادونت وما أروع ماقرأته هنا لقد تغلغلت في أعماق أدق التفاصيل في النفس البشرية وصورتها لنا بمجهر كبير
في كل مره تبهرني بجمال كتاباتك المميزة حقاً عن غيرها فأنت للامانه وأقولها بكل مصداقية لك خط سير مختلف لايشبه لاي كاتب آخر كما اقول وبالفم المليان أنت تغرد خارج السرب
أقسم لك ياصديقي أني أشفق عليك من رهافة أحساسك وعمق مشاعرك التي المسها في كتاباتك وأرجوا من الله أن لاتكون من ضمن العباقرة الذين قتلتهم عبقريتهم وتجاوزت غزارة عقولهم طاقة احتمال النفس البشرية
حقاً أنت من الكتاب النوادر جداً الذين تخلد أسماؤهم في ذاكرة التاريخ وبكل تأكيد أنت مفخره للمكان الذي تتواجد فيه تحياتي وتقديري واعجابي واحترامي لشخصكم الكريم