ما أسرع مرور الأيام وانقضاء االيالي
فقبل وقت يسير كنا نترقب الهلال فرِحين برمضان، وها نحن على أبواب وَداعه، فها هي عشره الأواخر أقبلت، وتزينت وتعطرت، تقول يا باغي الخير أقبل، فأنا خلاصة الشهر، وهدية العمر، وفيّ ليلة القدر.
العشر الأواخر فرصة وغنيمة، فرصة لمن قصر فيما مضى،وغنيمة لمن أحسن فيما غَبر
فيا مَن كنت مقصرا هذه العشر بين يديك فاغتنمها، فإن فيها من الخير ما يغسل ذنبك ويمحو حَوبك ويجزل عطاءك.
ويا مَن وفقه الله فهذه العشر لك غنيمة،تزدد من الخير أضعافا، ومن الحسنات جزافا.
وإذا كنت تريد أن تعرف قدر هذه العشر،فانظر لهدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فيها، لقد كان يستنفر فيها استنفارا لا يستنفره في غيرها، ويضاعف جهده
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَالا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ، وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه مَالا يَجْتَهدُ في غَيْرِهِ" رواه مسلم.
وتقول أيضا:
"كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ" رواه البخاري.
شد مئزره كناية عن الجد والاجتهاد،واعتزال النساء، وأحيا ليله أي لا ينام ،فليله معمور بالعبادة مشغول بالطاعة.
بات يدعو الواحدا الصمدا
في ظلام الليل منفردا
خادم لم تُبْقِ خدمتُه
منه لا رُوحاً ولا جَسدا
قد جفتْ عيناه غمْضَهما
والخليُّ القلب قد رقدا
في حشاه من مخافته
حُرُقاتٌ تلْذع الكبِدا
لا بل كان عليه الصلاة والسلام ينقطع عن جميع المشاغل، ويتفرغ من كل العلائق، يخلو بنفسه مع ربه،
فكان يعتكف هذه العشر في مسجده،
فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى وسلَّم يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، حتى توفَّاه الله. رواه البخاري ومسلم.
هذا هو هدي نبيك في العشر الأواخر من رمضان
فما انت فاعل؟
هذا هدي نبيك مع أنه قد غفر الله له ما تقدم وما تأخر من ذنبه كما أخبر تعالى بقوله:
{ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}
أليس نحن أحرى وأولى بهذا الاجتهاد في العشر ،ونحن ما نحن فيه من تفريط وتقصير، واقتراف للذنب كثير.
أخي المسلم هذه العشر مقبلة فاستغلها في كل طاعة وبكل عبادة
- صلِّ مع الإمام صلاة التراويح حتى ينصرف يُكتب لك قيام ليلة.
-اجعل لك نصيبا من التهجد ولو بركعتين مع الوتر.
-تصدق بما تيسر من نقد وعيْن.
-ضاعف وِرْدك من القرآن الكريم.
-الهج بذكر الله على كل أحوالك، لا يفتر لسانك من ذكر الله.
- إياك والمعاصي في هذه الليالي المباركات.
وأخير تجنب ما استطعت مخالطة الناس لتحفظ وقتك.
لكأني بهذه العشر الفاضلات مع كل ما تحمله من خير وبركات تحزن من عزوف الناس عنها، وغشيانهم للأسواق بدلا منها،
في أمر مقضي وملحوق،بينما خير هذه الليالي يفوت بفواتها وينقضي بانقضائها.
ألا هل من مُدّكر فآخذ بزمام نفسه، ورادع لشهواتها، وقاطع لسيئاتها،
والنفس كالطفل إن تتركه شبّ
على الرضاع وإن تفهمه ينفطم
قال الحسن البصري:
الفَرَس في السباق إذا كانت في نهايته أخرجت كل ما عندها من قوة.
وها نحن في آخر السباق فإيانا والفتور والملل، والكسل و العَطَل، فإنما هو صبر ساعة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة آل عمران (200)
ومن بركة هذه العشر أن فيها ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر كما أخبر الرب عظيم القدر بقوله في الكتاب المنزل في ليلة القدر:
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}
بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
ومن فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمانًا واحْتِسَابًا، غُفِر لَهُ مَا تقدَّم مِنْ ذنْبِهِ" متفقٌ عَلَيْهِ.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ليلة القدر في العشر الأواخر
فقال:
"تَحرُّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ" رواه البخاريُّ ، ومسلم.
وحدد زمنها أكثر فقال:
"تَحرُّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ" رواه البخاري.
فهي في أوتار العشر آكد
ولا تشغل نفسك بتأويلات المعبرين، و مَن هم بعلاماتها منشغلين، فإن ذلك يوهن الهمم، ويميت العزائم.
أخي المسلم اصبر ورابط واحتسب علك تكون من عتقاء الله من النار.
{فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } سورة آل عمران(185)
بقلم | العابد أحمد سبعي