يموت ملك أو رئيس فتحضر الدول مراسم العزاء ليس علاقة شخصية بل مراسم سياسة دبلوماسية وعلاقات دولية، ويتم الحضور للقادة حسب حجم قوة بلد المُتَوَفى وقرارتها في سياسة العالم المتنوعة ، أو يتم حضور من ينوب عن تلك القادة لظروف عديدة وعلاقات بين الدول، ويتميز الحضور والإنصراف بالصمت وعدم الخوض في ََمحادثات ، والله يعلم مافي القلوب.
ويموت الفنانون والفنانات، ويحضر الجنازة والعزاء إعداد كبيرة من هذا الوسط وترى فنون النحيب والبكاء والعويل والآهات لا تدري هل هي لوم النفس على خلاف مضى أو تنافس للصدى، وترى كلمات التأبين، وتجد القنوات مادة جيدة في اللقاءات والحزن وتاريخ الفنان وماقدمه في سنواته الفنية وتكاد تعتقد أن هذه الفنان قدّم الفنون بالمجان بينما حصل في بداية حياته على قليل من المال، وبعد أن صعد به الجمهور أصبح يشترط ليحصل على الملايين، وتستغرب المبالغة في نقل أخبار المرض والوفاة وكأن المُتَوَفى والحضور لم يعرفوا عن قدوم الموت ولم يعتبروا بمضي السنين، ولا تزال كثير من أفراد الشعوب العربية تقدُس بعض أفراد هذه الفئة دون أن يدركوا أنهم السبب في شهرة هؤلاء.
ويموت الوزير ورجل الأعمال فيخف الزحام فقد انتهت أصوات الطبول ومضى سريعا وكأنه ومض عبر في سنوات كانت في حياته لحظات
ويموت الأب والأم والزوج والزوجة، والأخ والأخت والإبناء ، فيحضر الأهل والأصدقاء والمعارف، وبعد تقديم العزاء تسمع همسا ثم ترتفع الأصوات في البيع والشراء والضحكات، ومن سفاهة بعض العائلات إستقبال شابات وسيدات يحضرن معهن أدوات التدخين في متـنوعات النكهات ويخترن غرفة يجتمعن فيها الصديقات وكأنهن على موعد الترفيه وليس العزاء متجاهلات إحترام حرمة الميت وأهله، وتنطبق السفاهة أولا على أسرة الميت لعدم طرد هذه الفئة الخبيثة الحقيرة، أما سفاهة المدخنات فقد تعدت الحدود بتلك القذارة والسفاهة، وحق لسيدة متعقلة أن تصرخ على مسمع الجميع وتطرد هذه الفئة التي تنشر مرض السفاهة في موقف يحتاج أهل الميت للراحة في مغادرة الحضور وليس مكان العزاء للإنبساط والترفيه.
ويموت الفقير المجهول الوحيد في حياته إلا من قليل، ويسخر الله من يدفنه ويكاد يكون العزاء مبهما.
ونعبر الطرقات والحواري فنرى حالة من العزاء ولكن لا يستوقفنا هذا من أجل تقديم العزاء دون أن نعرف أهل الميت، فالعزاء الذي نحضره فقط للمعارف والأصدقاء والشخصيات ، ويعلم الله بعض أفراد المجتمع لا تعرف ولم تقابل شخصية معروفة توفيت ومع ذلك يحضرون العزاء من أجل الوجاهة الخاصة بهم وظهورهم وعسى الناس تعتقد أن الحاضر للعزاء من أصدقاء الذي مات، فجاء من مكان بعيد ولم يقف لعزاء في الطريق.
وينتهي مولد الوفيات والعزاء بالنسيان، ولكن بقى أمر واحد يغيب عن الجميع في خضم هذا المولد ، فأين أصحاب الفردوس من هؤلاء في زمرة الرسول والصالحين والأنبياء ، وأين موقع من مات في طبقات الجنان العليا والدنيا ، هناك العزاء الحقيقي للإنسان قبل موته وبعد الوفاة، هناك يتجسد القرار الإلهي في طبقات الجنان، والعارف بهذا لا يهمه كثرة أعداد العزاء، أو بزخ الطعام والشراب والإستعراض الرخيص الذي يتسول به بعض أهل الميت أن يكونوا من الوجهاء في الوقت الذي يقدمون هذا البزخ في منزل الميت وهو تحت التراب ولم يمض عليه غير ساعات، فلا خجل ولا إستحياء ولا رهبة ولا إحترام ، إنهم يستغلون هذه الموقف المؤلم من أجل أن يعلنوا عن قدوم بعض من يعتبرونهم من الشخصيات قد حضروا العزاء، فترى في أعينهم فتضحك وتمضي حزنا على هؤلاء، ويبقى عزاؤنا في حُسن الظن بالله أننا جميعا من أصحاب الجنان، وكلٌ يعمل من أجل التنافس ليكون في علياء الجنان.
بقلم
أ. طلال عبدالمحسن النزهة