تكتب لكم الدكتورة/ منى فتحي خليل - مصرية - أستاذ مساعد - جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
--------
أذوب ولعا للزيارة حجا تلبية لآذان أبانا إبراهيم بوحي قديم من ربه، فأستهل بعمرة أطوف فيها قدوما سبعا من الأشواط تحية يدور فيها كياني حول بيت عتيق هو المعمور، ليس كمثله بيت وإن كان من حجر.
وتهفو روحي إلى ركن بيضاوي في البيت، مباركا وإن صغر، سِيقَت حجارته السعداء من الجنة، محاط بلجين، فألمسه وأقبله كما فعل الحبيب المصطفى، فأنال بركة وشفاعة، حجر توشح بالسواد من آثام بني آدم مع أن أصله ناصع من بياض الحجر.
ثم أسعى من الأشواط سبعا بين جبلين عظيمين بدؤهما الصفا والأخر مروة فأستحضر إيمان مصر وأصالة صعيدها في جدتي هاجر تهرول السبع حافية القدمين في قيظ شمس دون ضجر فوق ما هو صلب صاف وأملس وآخر أبيض ناعم وبراق من حجر.
وأروي ظمأ أحلام دعواتي حتى أرتوي كلي شبعا هنيئا مريئا من نبع ماء طُهْرٌ/ طاهر نقي، باليقين هو يقينا لما شرب له، فاض رقراقا تحت أقدام إسماعيل رضيعا، فأقبلت الأم على المياة تسقي وليدها وتروي ظمأها، ثم زمتها لتكشف عن بئر مبارك؛ بركضة من جبريل فجرته زمزما من بين صخر الحجر.
وبعد السعي نتوافد إلى منى لقضاء يوم كامل سمي قديما لما له من ري عطش الحجيج ماءً بالتروية، وإن تعددت أسباب التسمية، ونبيت فيه خلاء بخيامنا، مع كثرة الدعاء والتحميد والتلبية، وبعد يوما أو اثنين قد نجمع من أرضها لرمي الجمرات بعض الحصى وصغار الحجر.
ثم يأتي خير يوم سطعت عليه شمس، هو ركن ركين الشعيرة، من أقامه فقد أدى الفريضة ولا تقوم إلا به، كُنههُ ذكر وتواضع. في معية الرحمن يستوي الحجيج، لا إمارة إلا لله وكُلُّ إليه فقير، يتعرف العبد على ربه فلا تلبية ولا دعاء لسواه، ومع ذرف دموع الندم ذلا وحبا تتعالى أصوات وتخفت أصوات أو في النفس تسكن تكبيرا وتهليلا، توحيدا وتحميدا، يتنزل الله برحماته ويعتق رقاب عباده المتضرعين بالدعاء فوق كل صخرة وعلى كل حجر.
ما أسعد يومك يا حاج، هو لك العيد وميلادك من جديد كالرضيع نقيا مطهرا في لفافة إحرامك البيضاء، وما أتعسه من يوم على إبليس يبلغ به التضاؤل والتصاغر أقصاه. كل هذا وقوفا في مشهد مهيب على عرفات، جبل الحج الأكبر الذي يحيا في العام يوما، فما له أن يكون مجرد جلامدة صخر وحجر.
تحياتي
وكل عام وأنتم بخير،
بقلم
منى خليل
Twitter: Dr. Mona Khalil@DrMonaKhalil