في يوم عاشوراء من هذا العام معاه الذي يصومه المسلمون ابتهاجا بانتصار الحق على الباطل، حين شق الله طريقا في البحر ليكون نجاة للحق وأهله وهلاكا للباطل وأهله،
افتتح مشروع عقبة "سنان" الجديدة، التي تربط بين محافظة النماص في قمم جبال السروات ومحافظة المجاردة في سهول تهامة، في حفل ميداني حضره أخي وزير النقل و ممثلون.
الجميع شرائح المجتمع المحلي في المحافظتين.
وفي كلمة الافتتاح بهذه المناسبة أعلن تغيير اسم هذا الطريق المحوري من "عقبة سنان" إلى "طريق التوحيد" جاء فيها:
"هنا في هذا المكان قصة بطولة الإنسان الذي وقف في وجه الغزاة ليضرب أروع الأمثال في البطولة والكرامة".
ومع إشراقة فجر التوحيد على يد المؤسس عبد العزيز كان للبطولة بعد آخر، فالتوحيد بطولة رسخت الأمن والأمان والشموخ بدلا من الخوف والخذلان.
والتوحيد بطولة جمعت القلوب مع الدروب، وتوجد فيها السهل مع الجبل.
واليوم تنفيذا لتوجيهات سمو ولي العهد بإزالة التعثرات عن مشاريع عسير الحيوية، وتحديد ثمانية أشهر لإنهاء هذا المشروع، فقد فرن وعد القيادة بالوفاء.
فحق لهذه الدروب أن تلبس ثوب البطولة الجديد ليكون اسم هذا الطريق في هذا المكان بدلا من "عقبة سنان": طريق "التوحيد".
أما أن يفتح هذا الإطلاق آفاقا من التأمل في دلالاته، ولعل هذا المقال يجمع أطراف ما دار حول ذلك من رؤی۔
تشير الرواية التاريخية إلى أن "عقبة سنان" سميت بهذا الاسم، لأن قائدا تركيا اسمه "سنان"، في إحدى محاولات الاحتلال التي استهدف فيها الغزاة منطقة عسير، وباءت كلها بالفشل الذريع، تسلل مع جيشه عبر الجبال قاصدا النماص، فوجد قوات القبائل في انتظاره عند القمة، ليهلك هو وجيشه على أيديهم، وليقرروا تسمية الطريق الوعرة التي سلكها وأدت إلى هلاکه وهلاك جنوده ب"عقبة سنان"، تخليدا لهذا النصر للحق وأهله، كما أشارت روايات أخرى إلى أنه نزل منها بجيشه، أو أمر يشقها۔
ومهما يكن من أمر فإن نسبة الاسم إلى قائد تركي - أيا كان سياق التسمية مما اشتهر علقا على المكان.
ويأتي الاسم البديل "طريق التوحيد" لينقلها من البعد المحلي إلى البعد الوطني الفسيح، فمفردة "التوحيد" ارتبطت في الوجدان السعودي بالإمام المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه- الذي جعل "التوحيد" بمعناه الشرعي واللغوي هدفا سخر له حياته بكل تفصيلاتها، فيسر الله على يده لأهل هذه البلاد تطهير عقيدة التوحيد" الراسخة فيهم وفي أسلافهم مما مشها من شوائب الجهل، "موحة" القبائل المتنافرة المحشورة في زوايا التعصب القبلي البغيض على فكرة جامعة ترتفع بالقبيلة لتجعلها لبنة بناءة في كيان الوطن الواحد الكبير، و"توحيد" تضاريس الثرى المتشظي، سهوله وجباله وأوديته وصحاريه وشواطئه، تحت اسم جامع وراية واحدة.
أراد لها الإمام المؤسس "الموحد" أن تكون خضراء خافقة بالرخاء ، وأن تحتضن كلمة "التوحيد" البيضاء الخالدة، التي بها آمن وعليها نشأ، وإلى تحقيق لوازمها جاهذا مجتهذا واصطبر وصابر.
فكان كل ذلك سببا في "توحيد" اتجاه تفكير الشعب واهتمامه وطاقاته وطموحه نحو التميز والريادة في جميع مناحي الحياة، و"توحيد" اتجاه سياسة المملكة الفتية لتكون محور توحيد الكلمة والصف في العالمين العربي والإسلامي، وقد شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين اللذين تتوحد قلوب المسلمين في جميع أنحاء الأرض في حبهما وتقديسهما والانتماء إليهما، وهي سياسة كانت وما زالت وستظل "واحدة" حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ويأتي "طريق التوحيد" رمزا لكل المعاني السابقة، وهو يربط السراة بتهامة، ويربط أهالي النماص بأهالي المجاردة ويريط "البشامة" في شموخ الجبال ب"الأراكة" في سماج السهول.
فالحمد لله الواحد الأحد، القائل في محكم التنزيل:
فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون "فبالتوحيد" لم يعد لمفردة التعصب وجود في معجم اهتمامات أي سعودي أو سعودية، وقد ذاقوا حلاوته واكتسوا بجلاله وجماله، في ظل الراية الجامعة، في الوطن الجامع، خلف القيادة الجامعة.
و لم يعد لأي كان أن يمس شبرا من ثرى هذا الوطن الطاهر عند حدوده ، فضلا عن أن يقطع المسافات الطوال ويتسلل عبر الجبال.. لا.. سنان ولا غير سنان.
بقلم : تركي بن طلال بن عبدالعزيز