"إن تعطِ مما تَملِكُ فإنك تعطي القليل، أما إن تَهِبَ من نفسِك فهذا عين العطاء."
تسعى المملكة العربية السعودية إلى تكريس رؤية مفادها أن "العمل التطوعي عامل أساسي في بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين، وأن العمل التطوعي ممارسة إنسانية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكل معاني الخير والعمل الصالح عند كل الناس منذ أن خلق الله الأرض وما عليها".
وانطلاقًا من هذا، دأب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- على العمل التطوعي، منذ وقتٍ مبكرٍ من حياته. وفي عهده، أصبحت المملكة العربية السعودية من أكبر الدول المانحة والإغاثية على مستوى العالم. وهذا أعطى كافة الجهود التطوعية التي يمارسها الشعب السعودي ويرعاها أمراء المناطق بعدًا مؤسسيًا، وتعزز ذلك بالجهود المباركة التي كرّسها خادم الحرمين الشريفين والتي تحوّلت من جهودٍ فردية إلى جهودٍ تطوعية مؤسسية. ولنذكر –على سبيل المثال- مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والذي حقّق الكثير من الإنجازات في كافة مرافقه على مدى أكثر من 15 عامًا من العمل الإنساني.
واستكمالاًلرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان،بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله سار على نهجه صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي يولي اهتمامًا كبيرًا للتطوع ويشجع على دعمه وتطويره في المملكة، حيث أصبح التطوع جزءًا من رؤية 2030، التي تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة وتنوع اقتصادي في السعودية.
وتحت إشراف ولي العهد، جرى إطلاق العديد من المبادرات التطوعية في المملكة، مثل مبادرة "إرادة" و"رؤية شبابية" و"مبادرة مسك" و"مبادرة مودة"، التي تهدف جميعها إلى تشجيع الشباب على المشاركة الفعالة في التطوع وتقديم خدماتهم للمجتمع. ومن خلال هذه المبادرات، طُوّرت برامج وفعاليات تطوعية مختلفة، مثل حملات التوعية الصحية والاجتماعية والبيئية، وتوفير الدعم للمحتاجين والمساهمة في تطوير البنية التحتية للمجتمع. وانطلاقًا من ذلك، يعتبر الأمير محمد الدعم والتطوير للتطوع جزءًا أساسيًا من رؤيته لتحقيق التنمية الشاملة في المملكة العربية السعودية، ويسعى جاهدًا لتعزيز الروح التطوعية والمشاركة المجتمعية بين الشباب.
مما سبق، تتلاقى مساعي قادة المملكة في مجال التطوع مع رؤية 2030، التي تولي التطوّع عناية كبيرة، وجعلت أحد مستهدفاتها تحقيق الريادة للسعودية على المستوى العالمي في مجال العمل التطوّعي. ونظرًا لأهمية العمل التطوعي بالنسبة للمجتمع السعودي، خصّصت رؤية المملكة 2030 خمسة أهداف من أجل تطوير هذا القطاع، من بينها: الوصول إلى مليون متطوع في عام 2030، توفير البيئة المناسبة لتنمية العمل التطوعي وتحفيز أكبر عدد من المتطوعين للاشتراك بها، الاهتمام باليوم العالمي للتطوع الذي يوافق 25 ديسمبر، والحرص على إحياء هذه الاحتفالية سنويًا، الاهتمام بالمتطوعين، وفتح الآفاق أمامهم بحيث تكون مهامهم أقل جهدًا وأكبر تأثيرًا.
ولتوطين ثقافة التطوع بين أفراد الشعب السعودي، اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات والمساعي بهدف تمكين المجتمع المحلي من المشاركة الفعّالة في الأعمال التطوعية وتحفيز الأفراد على تقديم خدماتهم للمجتمع. وعليه، جرى تأسيس العديد من المنظمات والجمعيات التطوعية في المملكة، وتقديم الدعم المادي واللوجستي لهذه الجمعيات من قبل الحكومة والقطاع الخاص، وتنظيم الفعاليات والبرامج التطوعية بشكل منتظم في مختلف المجالات مثل التعليم، الصحة، البيئة، والخدمات الاجتماعية، وكذلك تطوير منصات إلكترونية وتطبيقات لتوفير فرص التطوع وتنظيمها بشكل أفضل.
وتشجع المملكة بشكل كبير الطلاب على الحصول على ساعات تطوعية كجزء من تعليمهم وتنميتهم الشخصية. وتعتبر ساعات التطوع جزءًا مهمًا من المنهاج التعليمي في المدارس والجامعات السعودية. وتوفر المدارس والجامعات العديد من الفرص التطوعية للطلاب، سواء داخل أروقة المؤسسة التعليمية أو في خدمة المجتمع المحلي. يتم تنظيم مجموعة متنوعة من الأنشطة التطوعية مثل حملات التوعية الصحية والتبرع بالدم والمساهمة في مشاريع تطوعية مجتمعية. وتهدف هذه الفرص التطوعية إلى تعزيز المشاركة المجتمعية لدى الطلاب وتنمية قدراتهم الشخصية والاجتماعية. كما يُشجع الطلاب على توثيق ساعات التطوع التي قاموا بها من خلال شهادات وشهادات تقدير تُمنح لهم. يمكن استخدام هذه الشهادات كجزء من السيرة الذاتية والتقديمات الأكاديمية والعملية للطلاب في المستقبل.
من جانبها، تشجع بعض المؤسسات الخاصة موظفيها على الأعمال التطوعية وتأخذها في الاعتبار عندما يتم التقييم للترقية، وذلك على الرغم من غياب سياسة رسمية في السعودية تعتمد فيها الترقيات على حصول الموظفين على ساعات تطوعية إجبارية.
بصفة عامة، تُعتبر الأعمال التطوعية محل تقدير كبير في المجتمع السعودي، وتُعد المشاركة فيها فرصة للمساهمة في تطوير المجتمع وتعزيز الروح التطوعية لدى الأفراد. ومن الممكن أن يتم توجيه الدعوة للمشاركة في بعض الفعاليات التطوعية المنظمة من قبل الحكومة أو الجمعيات المحلية كجزء من الجهود الوطنية للمشاركة المجتمعية.
في النهاية، نرى أن العمل التطوعي هو بالأساس واجب وطني، والتزام أخلاقي ومجتمعي، وحق إنساني في التكافل والتواصل.
بقلم :
الناشطه الاجتماعيه ورئيسة قسم التطوع في جمعية متقاعدي منطقة مكة المكرمة وقائدة فريق ليوث الوطن التطوعي
نجاة بنت حسن عبدالله فران