بقلم: صباح الأشرم
.
أقامت فلسفة الإسلام الحياة الاجتماعية على أساس التفاوت بين الناس.
وقد بينت آيات القران الكريم هذا التفاوت الطبقي
ففي قوله تعالى: (والله فضل بعضكم على بعض فى الرزق) وقوله سبحانه: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات).
نجد أن الله سبحانه وتعالى فضل بين عباده
بالرزق فمنهم الفقير ومنهم الغنى، وفضل بينهم بالعقل فمنهم العالم ومنهم الجاهل، وفضل بينهم بالأخلاق فمنهم حسن الخلق ومنهم سيئ الخلق،
وفضل بينهم بالجسم فمنهم القوى ومنهم الضعيف الهزيل
نلحظ في هذه الآيات أن الله يقرر التفاوت بين البشر وهذا التفاوت لم يكن إلا لحكمة أرادها المولى جل في علاه.
لا يمكن أن تستقيم الحياة إلا بهذا التفاوت.
ولو كان جميع الناس نسخًا مكررة من بعضهم البعض لبقيت أعمال كثيرة لا نقجد لها من يقوم بها.
ولو تأملنا قليلًا في آيات القران لوجدنا مع إقرارها لهذا التفاوت إلا انها تحاول الحد منه،
فالقران حريص على التوازن الاجتماعي والطبقي
فقد حث الغني على الإنفاق ، وحث الفقير على عدم تمني ما فضل الله به البعض من رزق ،
التفاوت موجود والتوازن الاجتماعي مطلوب، دون تعالي أو تنقيص من قدر فئة لأخرى.
ما يؤسف حقًا هو تناول هذا التفاوت في المجتمعات المختلفة باستعلاء مقيت، مغيبين ما اشارت إليه آيات القران الكريم وفلسفة الدين الإسلامي المتوازنة بين طبقات البشر ، فحين يطغى الجهل الفكري تعم فوضوية العقل، وبسبب هذا الخلل تنتشر أيدلوجية وتبعية تحارب حريات الفرد والتي هي حق من حقوقه.
العاقل المدرك لما يحدث في زمن الاستعلاء هذا يلحظ عدم اتباع ما ورد في شريعة الإسلام، فيزداد الظلم على طبقة دون اخرى ، وعلى فرد دون آخر ، ومن أمثلة هذا الخلل في المجتمعات التعالي بين أفراد المجتمع الواحد بسبب ما تفضل الله به على البعض من رزق، سواء في مال ، أو منصب، أو علم، أو صحة ، أو أي من أوجه الرزق المختلفة .
القاعدة القرآنية في هذا الدين العظيم تقول (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)
والتسخير وفق رؤية القرآن ليست استعلاء طبقة على طبقة، أو استعلاء فرد على فرد حيث إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض ليس بمفهوم العبودية ولكن بمفهوم طبيعة الاحتياجات والقدرات والمهارات لأن الحياة تستمر وتدار بالجميع.
الرئيس في عمله ما وضع رئيسًا إلا لخدمة دينه ووطنه ومن هم تحته بتسخير كل السبل من أجل استمرارية العطاء والنهوض بالحياة وعمارة الأرض، وحين يغيب الجانب الأخلاقي والإنساني في المجتمعات المختلفة تنتشر فوضوية الجهل والظلم بالتسلط وسلب الفرد قوته في جلب قوته بالتعالي عليه، وبناءًا على ذلك تنتشر براثن الكراهية والنفور، ليصبح المجتمع متخلفًا في نموه الفكري بسبب تعالي البعض في مناصبهم التي وضعوا فيها.
لن تكون المعادلة صعبة أبداً ما دام الكل يعرف الحد الذي لا ينبغي تجاوزه، ونحن في زمن عّم العدل فيه ارجاء هذا الوطن الشامخ، لاظلم حين نضع الكل في المكان الصحيح ، حين يسأل الكل نفسه لماذا وضعت هنا؟ وما الذي ينبغي علي فعله؟ وهل أنا أهل لهذا المكان والمنصب أم لا ؟
ولا لوم حين يطالب الفرد بحقه، وحين يدافع عن نفسه، وحين يقف في وجه الظلم لينتصر لنفسه وغيره.
علينا محاربة النفس المتعالية داخلنا، وكبت جماح الكبر داخلها، فما فلح أقوام سبقونا جعلوا ديدن تعاملهم البشري بمختلف اشكاله بين جبروت وزهو وكبر.
قال تعالى في محكم التنزيل مخاطبا نبيه الكريم :
(فبما رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ).
لين الجانب ورأفة القلب مع قوة الإيمان بالله مقومات ومميزات لكل من ولي على أفراد هذه الأمة باختلاف المناصب، فلا ظلم يكون ولا سيادة ، نحن هنا مكملين لبعضنا، ونحن دون بعضنا لا شيء.