من آخر التصريحات التي أطلقها الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير، ذكر فيها أنّه لن يُسلّم السلطة، لا لحركة إسلاميّة ولا لمؤتمر وطني، والكل يعلم خطابه الشهير الذي أعلن فيه عدم ترشّحه والغاء تعديل الدستور، وأنّه سيكون على مسافة واحدة من الجميع، وقد سلّم رئاسة المؤتمر الوطني لنائبه أحمد هارون..*
✍️ *هذا الخطاب، ربّما يكون هو المفسّر للأحداث السياسيّة التي توالت بعد سقوط البشير من كرسي الحكم، وخاصّةً أنّ هذا السقوط كان ناعماً، لم يشبه سوابقه بدول الربيع العربي، التي دافعت قياداتها الحاكمة عن حُكمها حتى آخر نفس تمتلكه..*
✍️ *المسيرات والاحتجاجات التي قامت ضدّ حكومة البشير بعد خطابه الشهير بفترة قصيرة، مدعومة بأجندة سياسيّة داخليّة وبإمكانيات ماليّة مهولة من رأسماليّة وطنيّة، ومن قوى خارجيّة كانت من أكبر الداعمين لسياساته، وهو مُصر على التمسك بموقعه، وهو يعلم أنّ كثير من القوى السياسيّة الإسلاميّة قد انقلبت عليه، وأوّلهم حزب المؤتمر الشعبي، وكذلك لوبيات حزب المؤتمر الوطني، التي كان معظمها بيد صلاح قوش، الذي جلس مع كوادر وقيادات أحزاب اليسار قبل وأثناء حدوث هذه الاحتجاجات، كل هذه القوى تكالبت على البشير وقيادات حكمه، للإطاحة به، وخططت تماماً للاعتصام أمام ساحة الجيش، الذي تدخل وقتها لحماية الثُّوّار ليعلن عن نفسه عمليّاً، شريكاً أساسيّاً في ثورة ديسمبر 2018م.*
✍️ *جاء بعد ذلك تكوين المجلس العسكري الانتقالي، ليثبت عبر البيانين الأول والثاني، وتلاهما الفريق أول ابن عوف، أنّ سقوط البشير عن كرسي الحكم، كان تنحي عن الحكم أكثر من أنّه محاولة انقلابيّة..*
✍️ *جاءت بعد ذلك النزاعات السياسيّة ما بين المجلس العسكري وقوى الحريّة والتغيير، بمختلف مكوناتها وأكبرها نداء السودان، وقوى الاجماع الوطني والحركات المسلحة، وكلّ من وقّع معهم في 1/1/2019 اعلان قوى الحريّة والتغيير، والذين كان شعارهم الأساسي "تسقط بس"، لتشهد البلاد بعدها ميلاد اتفاق سياسي ودستوري مابين من أرادوا الهبوط الناعم للبشير، واتفقوا معه على ذلك، وهم قيادات المجلس العسكري مدعومة بالقوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وبين من أرادوا اسقاطه فقط من موقعه، للاستيلاء على الحكم وهم خليط من الاسلاميين والعلمانيين..*
✍️ *القوة العسكريّة أوفت بما عليها من توابع الاتفاق على الهبوط الناعم، الهبوط المدعوم من أمريكا وإسرائيل، فأسرعت الخطى في تقديم البشير للمحاكمة توطئة لتأمين حياته بعدها.. بمحاكمات خفيفة تمّ مراعاة سنوات عمره فيها وإغلاق هذا الملف نهائياً.. وبقيت القوة المدنيّة بكل مكوناتها الاسلاميّة والعلمانيّة تتقلبها المواقف السياسية غير قادرة وعاجزة تماماً عن حسم كثير من مواقفها السياسيّة حتى فيما بينها..*
✍️ *ما سيثبته التاريخ، وسيصرّح به معظم سياسيي الحكومة الانتقاليّة كشاهدي عصر، لاحقاً وبعد أن تنتهي تأثيرات تصريحاتهم على واقع البلاد السياسي، هو أن الرئيس عمر البشير، قد وافق على التنحي عن موقعه، عبر هبوط ناعم واتفق تماماً على مغادرة موقعه نزولاً لرغبة الجيش، وهو بذلك قد جنّب البلاد شرّ الدخول في نزاعات دمويّة داخليّة، وأنّه في فتراته الأخيرة عندما رفض التنازل عن الحكم كان هذا حتى لا يستلم السلطة الاسلاميين القابعين بسجن كوبر الآن والذين اعتبرهم البشير في أيامه الأخيرة أعداء له يُريدون تسليمه علي طبق من ذهب للمحكمة الدوليّة، وهو الأمر الذي رفضه الجيش باعتبار أن البشير شغل منصب رئاسة الجمهوريّة وهذا الموقع رمز من رموز الثوابت الوطنية التي ترتكز عليها هيبة الدولة..*
✍️ *وغداً ربما يعرف الشعب أنّ من فضّ الاعتصام، هو من له مصلحة كُبرى في عدم نجاح الهبوط الناعم، واثارة ثورة كاسحة حقيقيّة عبر تصعيد ثوري خطير وحاد، ولكن حكمة حميدتي وتدخله في الوقت المناسب، ليخرج المشهد بأخف الأضرار، أضاع على الكثيرين من الاسلاميين والعلمانيين فرصة افشال الهبوط الناعم بتفريق الاعتصام واحداث قتل وفوضى دمويّة، وغداً ربما تكشف الأيام أنّ من تحسبه من الأعداء وضد الثورة هو الثائر الحقيقي لأمن البلاد وسلامتها.. ومن تحسبه من مناصري الثورة وداعمي التغيير هو الذي فضّ الاعتصام..*
✍️ *والوحيدون الضائعون في هذه المنافسة السياسيّة في كل الأحوال، اليوم أو غدٍ، هم كوادر وقيادات ومناصري وأعضاء حزب المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي..*
*وسيبقى الجيش رغم الاتهامات السياسيّة التي تلاحق بعض قياداته، هو فرس الرهان الوحيد الذي سيكسب حلبة السباق...*
✍️ *وقرررربت...*
✍️ *#علي_جعفر*