كُتاب المقالات

المتاحف التاريخية:عُمق التاريخ وأبواب المستقبل

-

تُعد المتاحف التاريخية مناراتٍ حضارية تحفظ للأمم ذاكرتها، وتُجسد ارتباط الشعوب بجذورها وتاريخها الممتد. فهي ليست مجرد أماكن لعرض القطع الأثرية والوثائق القديمة، بل هي مؤسسات تعليمية وثقافية، تؤدي دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الوطنية وترسيخ القيم والانتماء،والمتاحف التاريخية تحفظ إرث الأجيال السابقة، وتسرد سيرة الشعوب من خلال الأدوات والملابس والمخطوطات، والمعروضات التي توثق لحظات مفصلية في مسيرة الإنسان. من خلال تنظيمها الزمني أو الموضوعي،أو المكاني ،حيث يستطيع الزائر أن يقرأ فصولًا متعاقبة من الحروب، والمعاهدات، والنهضة الحضارية التي ساهمت في صياغة حاضرناوتلعب المتاحف التاريخية دورًا تربويًا عميقًا، إذ تُكسب زوارها،خصوصًا النشء الجديد معرفة حية وتجربة مباشرة مع التاريخ، مما يعزز فهمهم للوقائع البعيدة بطريقة محسوسة. كما أن هذه المتاحف تُسهم في تعزيز الحس النقدي، من خلال المقارنات التاريخية وتفسير التحولات الاجتماعية والسياسية،وللمتاحف دور كبير في حفظ الهوية الوطنيةفي ظل العولمة وتسارع التغيرات الثقافية، حيث تصبح المتاحف التاريخية حصنًا لحماية الهوية الوطنية، فهي توثق اللغة، واللباس، والعادات، والتقاليد، والموروث الشعبي، وتقدمها للأجيال الجديدة بطريقة متوازنة بين الأصالة والتجديد. كما تعمل على تصحيح الصور النمطية المغلوطة، وتعزز الفخر بالذات الوطنية والتاريخية والحضارية ،وتمثل المتاحف التاريخية عنصرًا جاذبًا للسياحة الثقافية، حيث يقصدها الزوار المحليون والأجانب للتعرف على ماضي البلاد وتنوع حضاراتها. وتُعد مصدر دخل اقتصادي للمدن، كما تُسهم في تنمية الوعي السياحي وتوطيد العلاقات الثقافية بين الشعوب،وعلى الرغم من الأهمية البالغة للمتاحف التاريخية، فإنها تواجه تحديات كبيرة، من أبرزها نقص التمويل، وغياب الوعي المجتمعي بأهميتها، بالإضافة إلى التحديات التقنية المرتبطة برقمنة المعروضات وتحديث أساليب العرض. كما أن حماية المتاحف من الحروب والكوارث الطبيعية والسرقات تبقى مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني ،والمتاحف التاريخية ليست مجرد مستودعات للقديم، بل هي حافظه للهوية، وجسورتربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. هي مدارس مفتوحة بلا جدران، تُعلم الأجيال كيف نشأوا، ومن هم، وأين يسيرون. ومن هنا، فإن دعم هذه المؤسسات، وتفعيل أدوارها التعليمية والثقافية، واجب وطني، ينعكس أثره في حفظ التاريخ والإرث الحضاري وصناعة المستقبل.

بقلم : د.هاله ذياب المطيري
الامين العام للجمعية التاريخية السعودية
ونائبة المشرف على فرع الجمعية التاريخية بمنطقة مكة المكرمة


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com