كُتاب المقالات

عبرة من الماضي: حلم معن بن زائدة

بقلم - إبراهيم النعمي

يُروى أن معن بن زائدة، أحد أشهر أجواد العرب، وأحد رجالات الدولة في العصرين الأموي والعباسي، عُرف بسعة صدره، وحلمه، وكرمه، حتى صار مضرب المثل في ذلك. تولى إمارة سجستان بأمر الخليفة المنصور، وتوفي عام 158هـ.

وذات يوم، اجتمع قوم يتذاكرون حلمه وسعة صدره، حتى بالغوا في وصفه، فقام أعرابي وتعهد بأن يُغضبه. وقد رُصدت له مكافأة مقدارها مئة بعير إن فعل.

فما كان من الأعرابي إلا أن سلخ بعيرًا وارتدى جلده، وجعل باطنه ظاهره، ودخل على معن بهذه الهيئة الغريبة، وقال أبياتًا هجائية تقصد إثارة الأمير، لكنه قابله بالحلم والتسامح، وزاده عطاءً على كل بيت قاله، حتى مدحه الأعرابي في النهاية، وأقر بعظمة الأمير، وأخلاقه العالية.

وفي ختام القصة، منح الأمير معن الأعرابي مئتي بعير، نصفها لقاء الرهان، ونصفها إكرامًا له.

إنها قصة تُروى للعبرة، وتُضرب بها الأمثال في الحِلم، وكظم الغيظ، ورد السيئة بالحسنة.

نحن اليوم نعيش في زمن تكاثرت فيه الفتن، وظهر فيه من يسعى للوقيعة بين الناس بنقل الكلام، وإشعال الخلافات بين الأهل والأصدقاء والزملاء، دون وازع من دين أو خلق.

فمن الناس من يتنقل من مجلس إلى مجلس، ومن بيت إلى بيت، ينقل الأخبار، ويشوّه النيات، ويفسر الكلمات على هواه، بهدف بث الفتنة والشقاق.

ومنهم من يدفع الأموال لأصحاب الألسنة المسمومة؛ ليشوّه صورة من يحسدهم أو يُضمر لهم البغضاء، لمجرد أحقاد دفينة وأمراض نفسية مزمنة.

وهنا تكمن خطورة تصديق كل ما يُنقل إلينا. فليست كل رواية صادقة، ولا كل ناقل أمينًا.

لقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن تصديق النمّامين والمفسدين، وعن نشر الفتن والأقاويل بين الناس.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

“ملعون ذو الوجهين، ملعون ذو اللسانين، ملعون كل شغّاز، ملعون كل قتّات، ملعون كل نمّام، ملعون كل منّان”.

وهذا الحديث الشريف يُحذّر من خطورة هذه الأفعال، ويُعلن غضب الله على من يتصف بها، لما فيها من فساد ذات البين، وإشعال العداوات بين المؤمنين.

علينا جميعًا أن نُحسن الظن، وأن نُحكّم العقل، وأن نُغلّب الصمت والتبيّن قبل تصديق أو ترديد أي كلام يُنقل إلينا.

فالفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها، والعاقل من كف لسانه، وأصلح بين الناس، لا من أفسد بينهم
بقلم ابراهيم النعمي


اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com