كالأشخاص تماما... الأماكن المؤلمة، أو السارة..
أماكن متوترة.. وساكنة وهادئة.. جميلة ورائعة.. حزينة وكئيبة .. قطعة من الجنة.. أو العذاب .. مفروشة بالورد.. أو مغشاة بالجحيم..
كل هذه الأنواع من الأماكن تصطبغ بسمات تعرفها بما تسمه في محيا أهلها، وما تخطه أصابعها على وجوههم، وما تحفره الآمها أو أفراحها في قلوبهم فتحدد مسار سلوكهم وأخلاقهم وعلاقتهم ببعضهم بعضا... وتختزن كل ذلك في ذاكرتها وتؤطر صورتها..
في الحديث النبوي قيل لذلك الرجل الذي قتل ٩٩ نفسا.. إنك بأرض سوء. وفي المقابل تجد في القرآن يتكرر الوصف .. الأرض التي باركنا فيها.. وبلدة طيبة..
هل طبيعة الأماكن، المترنمة بموسيقى الأمطار وأنغام الأنهار وتبسم الزهور وغناء الطيور ، ورائحة المقاهي و والمتاحف والشوارع وأنفاس الحرية الشخصية ، أو صمت الصحراء وانفتاحها وصبرها على لوائها والصخور والحرارة والبرودة والشدة واللين ، تؤثر في أخلاق الناس وسلوكهم وعلاقتهم ببعضهم ... ؟
هل الإنسان أكثر تأثيرا وأبلغ أثرا وهو الذي يحدد مستوى القبول للمكان أو هجره.؟ لذلك قيل الإنسان لايغادر المكان.. إنما يغادر الإنسان الذى أساء لهذا المكان ، أو أن الإنسان يرسم تفاصيله مستوحيا ملامحه وخصائصه النفسية من تفاصيل المكان ومن تجهمه وبؤسه أو من انبساطه وفرحه أو من إغلاقه وكبته أو انفتاحه وسعادته. ..
يتشابه المكان مع الإنسان في ملامح كثيرة.. من الشدة والسهولة والحب والبغض.. والعبوس والتبسم.. والنوايا المتقلبة والجافية كتقلب الطقس وجفوته .حتى في دفء العلاقات هناك أماكن تحتضنك مبتسمة وتضيفك بترحاب، وأماكن متوترة عابسة متجهمة عليها غبرة ترهقها قترة.. الأماكن كالبشر تماما تسعد بالحرية وتسعد بها من حولها وتحملها وفي ذاكرتها وسلوكها و أخلاقها، وتؤثر بها .