في صباح يوم الأحد بتاريخ الحادي عشر من شهر ربيع الأول لعام 1443 أستيقظ الجميع في هذا البلد مستبشرين فرحين بعد إعلان وزارة الداخلية بتخفيف الإجراءات المتبعة في ظل جائحة كورونا ،جاءت هذه الأخبار بمثابة بشرى بالخروج من هذة الأزمة الصحية العالمية الغير مسبوقة ، وكانت السعودية قلب الإسلام وقبلة الإنسانية حاضرة فيها وسجلت أجهزة الوطن وإدارته كافة حظوراً قوياً ومنافساً في التعاطي مع هذه الجائحة ،وجعلت المواطن والمقيم في موضع العناية والأولوية والإهتمام.
مرت هذه الجائحة لتعلم كل فرد فينا دروس بالغة الأهمية لنصبح أقوى من ذي قبل.
- علمتنا هذه الأزمة أن (الوعي هو الثروة الأولى لكل الشعوب والدول )، واستشعار نعم الحياة ورؤية الأمور بوجهها الصحيح، ومنحتنا إعادة ترتيب أولوياتنا، فالإنسان يتعلم في ساعات البلاء مالا يتعلمه في سنوات العافية ..!
-علمتنا أن الحياة غالية، والصحة كنز و (تاج على رؤوس الأصحاء لايراه إلا المرضى ) ولن يدرك صدق هذه المقولة سوى من دخل المستشفى ممدداً على السرير لايدري متى سيغادر ويحدق بالسقف يتساءل بإستسلام أين كنت وإلى أين سأمضي؟! فيكتشف أنه بساحة معركة وأنه في مواجهة مع عدو شرس إن لم يستعد له فتك به.
-علمتنا أنه في أوقات الرخاء كانت تتحدث الدول الكبرى بصوت مرتفع عن حقوق الإنسان وعندما حلّت هذه الأزمة فلا صوت يعلو فوق صوت (السعودية) التي كان همّها صحة الأنسان أولاً وأن (قيمة المواطن السعودي عند حكومته لاتقدر بثمن ) ولم تميّز إطلاقاً بين مواطن ومقيم على أراضيها ، بما في ذلك مخالفي الإقامة ، ففتحت العلاج مجاناً وكذلك إعطاء وتوفّر اللقاح للجميع، واتضحت الصورة بمن أهتم بصحة وسلامة الإنسان .
-علمتنا أن للأزمات رجالها من رجال الصحة والأمن والتعليم ووقفوا بتضحياتهم الجليلة ومواقفهم النبيلة وجهودهم الرائعة وكانوا مصدر أمان وكالقلب النابض وروح الأمل وخط دفاع أول ضد هذه الجائحة المريرة ، وأظهر هذا الفيروس مدى إستعداد الدولة -أيدها الله- بالخطط الإستباقية لمواجهة مثل هذه الجائحة وغيرها، وبتعاون أبناء هذا الوطن الشامخ ،لمواجهة هذه الجائحة كلاً في مجاله .
-علمتنا هذه الجائحة أن فيروس قاتل في العالم أغلقت الدول حدودها ،وانعزلت خوفاً من الموت ،وأنقسمت الأمم إلى فئتين ؛ فئة تمتلك أدوات المعرفة تعمل ليل نهار وتظافر جهودها لإكتشاف العلاج ، والفئة الأخرى تنتظر مصيرها المحتوم ! مما يبرهن أن العلم ليس أداة ترفيه بل وسيلة للنجاة .
- علمتنا أن الحياة أغرقتنا كثيراً في بحر لججها وأهواءها، وكنا بحاجة إلى هزة عنيفه لترجعنا إلى الله، وإنكسار المخلوق في حضرة الخالق، وأن نستشعر أنها رسالة إلهية لتشعرنا بكمية النعم التي نتقلب فيها ليل نهار، وأننا لم ندرك نعمة الروتين الذي نعيشه كل يوم إلا بعد أن فقدانه بمرض أو حظر تجوَّل حجر الناس في بيوتهم إتقاء له .
- علمتنا الجائحة أثناء الحجر الصبر فعشنا حياة جديدة بتفاصيلها واكتشفنا مواهب مدفونه ، واللعب بالألعاب القديمة ، وممارسة بعض الهوايات السابقة ، وقراءة الكتب فكان الجلوس في البيت لفترات طويله فائدة إكتشاف الذات ،ومصادقة النفس ،وأن العزلة مفيدة حينما تختارها أنت ،وقاتله حينما تفرض عليك ،والأهم علمتنا أن العائلة هي الملاذ الأول والأخير .
- علمتنا أنه قد يكون خلف الذي نخشاه وجه إيجابي أحياناً، فأدركنا أن ليست كل التفاصيل مهمة في حياتنا، بالتنازل عن الشكليات والكماليات التي كبّلنا أنفسنا بها وبكثرة التكاليف التي يمكن الإستغناء عنها بكل سهوله، وأن البساطة هي الوجه الحقيقي لجمال الحياة .
- علمتنا أن نغير سلوكياتنا مع البشر ولاشك قبل ذلك أن نتأمل قدرة الله في خلقه وأننا لاشيء دون عون الله ورحمته وحمايته وتوفيقه.
- علمتنا هذه الأزمة أهمية النظافة وقبل ذلك نظافة دواخلنا، فما أحوجنا إلى العودة الصادقة إلى الله، والدعاء وأن نتأمل قوله تعالى :(وأنَّ القُوَّةَ لله جَميعاً) ومراجعة النفس وعلاقتها بخالقها، فما نزل بلاء إلا بذنب ومارفع إلا بتوبه وكذلك بحسن الظن بالله ،وعقد العزم على فعل الخير ، ومجاهدة النفس ،واستحضار نية العودة الصادقة إلى الله، وشكر الخالق مستحق الشكر على ماوهبنا و منحنا وتفضل به علينا على سائر الأمم .
نعم هذه الخلية المجهرية اعطت درساً فبعدها لن يعود العالم كما كان..
فلذلك " (عقموا) قلوبكم برذاذ الحب
و ضعوا على كل باب يدخل منه الكره (كمامة)..!
و ارتدوا ( قفازات ) الأمل حتى إن لامستم الحياة بأيديكم (تباعدت) عنكم جراثيم اليأس ..!
و (إعزلوا ) أفكاركم السيئة في حجر صحي حتى تتعافى ..! "
- أخيراً
الرحمة والمغفرة لِمن فُقِدوا في هذه الجائحة .
وشكراً جزيلاً جميلاً جليلاً لجيشنا الأبيض وجنودنا البواسل المخلصون وبكم نفتخر ونعتزَّ
ودمت ياوطني في رخاء وأمن وسلام .
بقلم
أ. صالحة القحطاني