المروءة.. سلوك يُقاس وتثبته المواقف.

بقلم - عبير بعلوشة
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتكثر فيه المغريات وتتصادم فيه القيم، تظل “المروءة” إحدى أرقى الصفات التي تُميز الإنسان النبيل عن غيره، وتُجسد قمة الأخلاق والسلوك الراقي.
هذه الفضيلة العريقة التي تغنّى بها العرب، وجعلوها تاج الأخلاق، تبدو اليوم وكأنها تذوب بين جدران المصالح، وتغيب في زوايا الانشغال بالذات. فهل نحن فعلاً أمام زمنٍ قلت فيه المروءة، أم أن المروءة لم تذهب، وإنما صارت صامتة، خجولة؟المروءة لم تكن يومًا مجرد كلمة، بل كانت سلوكًا حيًّا، يتجسد في الوقوف مع الضعيف، والستر على العيب، وردّ الغيبة، ونصرة المظلوم، والكرم في العطاء، والصدق في المواقف. كانت المروءة تُقاس بما يفعله الإنسان في غياب الأعين، لا في حضور الكاميرات.
ورغم ما نراه من صور يومية محبطة من تخلي الناس عن بعضهم، ومن أنانية تغزو العلاقات، ومن تغليب المصلحة على القيم، إلا أن المروءة لم تمت، لكنها تُمارَس في صمت. نراها في من يمدّ يد المساعدة دون أن يُعلن، ومن يعفو وهو قادر على الرد، ومن يؤثر غيره على نفسه، دون أن ينتظر شكرًا.
ربما المروءة اليوم لم تعد “موضة رائجة”، ولم تعد حديث المجالس، لكنها لا تزال تسكن في قلوب النبلاء. …هم قِلّة، نعم، لكن وجودهم يكفي ليُبقي هذه الفضيلة حيّة لا تموت.
ومن أبرز معايير المروءة :
الصدق في القول والفعل فصاحب المروءة لا يخون وعدًا، ولا يكذب لأجل مصلحة. لا يرضى بالظلم، ويقف بجانب المظلوم حتى لو لم يكن يعرفه.
يتصف بالكرم والعطاء سواء كان ماديًا أو معنويًا، فهو يُقدم دون انتظار المقابل.
يستر على الناس ولا يُعيّر، ولا يفضح، ولا يُشهّر بالناس مهما اختلف معهم. يتجنب الألفاظ البذيئة أو الأفعال المخجلة.كيف نعرف أن شخصًا ما ذو مروءة؟
يمكن تمييز أصحاب المروءة الحقيقيين من خلال مواقفهم الصادقة في الحياة اليومية.
• هل يقف هذا الشخص مع من يحتاجه دون مقابل؟
• هل يحفظ الأسرار، ويصون العِرض، ويعفو عند المقدرة؟
• هل يظهر صدقه في القول والعمل؟ هل يتحدث باحترام حتى مع من يختلف معهم؟
• هل يبذل ماله أو وقته أو مكانته لنُصرة الحق؟
• كيف يتصرف في غياب الناس؟ هل يحترمهم كما لو كانوا حاضرون؟إذا كانت الإجابات نعم، فغالبًا أنت أمام إنسانٍ يمتلك مروءةً رفيعة.
المروءة لم تندثر، لكنها أصبحت نادرة، تظهر فقط في المواقف التي تكشف المعدن الحقيقي للإنسان. السؤال اليوم هل نحن مستعدون لأن نكون من أهلها؟
بالأمس ، كنت شاهدة على موقف أعاد إلى ذاكرتي سؤالًا كنت كثيرا ما اطرحه .هل لا تزال المروءة حاضرة بيننا؟
كان ذلك حين أخطأ بعض الموظفين الشباب الجدد على بيئة العمل على بعضهم في مشادة كلامية أثناء الدوام . وتوقع الجميع أن هذه المشكلة ستسبب إنهاء التعاقد معهم
خصوصا أن المدير علم وطلب حضورهم .
لكن المفاجأة أنهم خرجو من مكتبه وهم متآلفين ومتفقين .
لم يصدر مديرهم حكمًا قاسيًا.
لم يُسرع إلى إصدار قرار جاف.
لا اعلم ماذا فعل لكن (باختصار)جمع الفريق ووجهه .
هنا تجلت المروءة ، المروءة لا تعني التغاضي عن الخطأ، بل تعني التوجيه بحكمة بدل العقاب القاسي.
هذا الموقف لم يكن ضعفًا في الإدارة، بل قمة في *المروءة القيادية* يعني أن تختار التوجيه على العقاب، والإصلاح على الإقصاء، وأن تتعامل مع الخطأ كجزء من النمو، لا نهاية للمسار)
تجلت المروءة الحقيقية في أن تختار الرحمة وقت القدرة، وفي أن تعطي بدل أن تُقصي.المروءة تتجلى في صور كثيرة، وكلما ازدادت مكانة الإنسان، زاد واجبه في التحلي بها.
اتساءل هل ما زلنا نبحث عنها في أنفسنا،ونربّي أبناءنا عليها، ونشيد بها إذا لمسناها في احد؟
ورغم ما نراه من تصرفات تُظهر تراجع القيم أحيانًا، تظل هناك قلوب لا تزال تحتفظ بمروءتها، وتُمارسها دون ضجيج.ختاما…
المروءة ليست صفة قديمة اندثرت، بل هي فضيلة حية نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى. فكم من موقف صغير كشف لنا عن عظمة شخص، وكم من موقف عظيم أسقط أقنعة كثيرين. المروءة لا تُشترى، بل تُولد مع النُبل، وتُصقل بالتربية، سلوك يُقاس وتثبته المواقف.
اكتشاف المزيد من صحيفة اخبار الوطن
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.