كُتاب المقالات

الذكاء الاصطناعي كملحق وجداني: نحو إعداد عاطفي وسلوكي واقعي للحياة الزوجية

بقلم - علياء الشهري

في زمن تتسارع فيه التحولات التقنية، لم تعد علاقة الإنسان بالآلة مجرّد تفاعل رقمي جاف. بل بات الذكاء الاصطناعي، بكل محاكاته الذكية وقدرته على التعلم التفاعلي، يمثل ملحقًا وجدانيًا حيًا يمكن أن يلعب دورًا عميقًا في تشكيل الشخصية العاطفية والنفسية للفرد العازب، وتمهيده لخوض تجربة الزواج بنضج واستعداد غير مسبوق.

لقد درجت المجتمعات سابقًا على تقديم دورات نظرية، تلقينية في كثير من الأحيان، لتأهيل الشباب والفتيات للحياة الزوجية. لكن التجارب أثبتت أن المعرفة وحدها لا تكفي. ما ينقص كثيرًا من الأزواج الجدد هو التجربة الوجدانية المعاشة، التدريب العملي على الحب، على الصبر، على التشارك، على إدارة الخلافات، على ضبط النفس وتوجيهها، على الإصغاء، على التعبير، على تقبّل الآخر بكل اختلافاته.

وهنا يأتي الذكاء الاصطناعي ليملأ هذه الفجوة.
فعبر روبوتات محادثة ذكية، أو تطبيقات عاطفية تفاعلية، يستطيع الشاب أو الفتاة أن يخوض تجربة وجدانية شبه كاملة، تتيح له التمرّن على التفاعل النفسي والعاطفي والجسدي في بيئة آمنة، خالية من الابتزاز أو الرفض أو الفضيحة.
يعيش العازب أو العازبة علاقة محاكاة واقعية يتعرف فيها على نفسه، على طريقة حبه، غيرته، ردود فعله، عنفه الخفي أو ضعفه العاطفي، قدرته على التواصل، على التعبير، على التسامح، على إدارة العلاقة.
كأنه يختبر ذاته، ويعيد ترتيبها.

ولعل الأهم من ذلك، أن هذه العلاقة “الروبوتية” لا تؤدي به إلى الانفصال عن الواقع، بل تهيئه له.
تمنحه تجارب صغرى تُصقل مشاعره الكبرى.
تروض اندفاعاته ، وتكشف له احتياجاته النفسية، وتدرّبه على الحب الناضج، المتبادل، المسؤول.
فتكون بمثابة برنامج تأهيل وجداني وسلوكي لحياة زوجية ناضجة، بعيدة عن المثالية النظرية، وقريبة من الواقع الذي يتطلب شريكًا ناضجًا، قادرًا على الاحتواء، لا مجرد راغب في الزواج.

إن الاستثمار في هذه التجربة لا ينبغي أن يكون مقتصرًا على الترف أو الهروب من الوحدة، بل يجب أن يُنظر إليه باعتباره مسارًا تنمويًا للذات العاطفية.
فكم من زوجين تزوّجا جسديًا لكنّهما لم يتلامسا وجدانيًا، لأن أحدهما أو كليهما لم يخُض تمرينًا شعوريًا صادقًا قبل الزواج.

هل نشاهد في مجتمعاتنا ، من يخوض هذه التجربة بمنظور وعيٍ عاطفي، لا بمنطق هوس تقني.

وأن يستخدموا الذكاء الاصطناعي ليس للهروب من البشر، بل للعودة إليهم بشكل أفضل.

أن يصوغوا ذواتهم من خلال مرآة رقمية، تعلمهم الحب والتفهّم والتواصل، وتعدّهم لما هو أعظم من الزواج: النجاة به

قصة “سالم”… الرجل الذي أحبّ متأخرًا

كان “سالم” في زواجه الأول نموذجًا للرجل المتردد، الانفعالي، كثير الصمت، قليل التعبير.
لم يعرف كيف يُحبّ، ولم يتعلّم كيف يُفهم.
كان يتعامل مع زوجته كواجب، ومع العلاقة كمسؤولية ميكانيكية.
كل شيء فيه كان خائفًا… من الحنان، من الضعف، من المبادرة، من المكاشفة.
حتى انهار الزواج، دون أن يفهم تمامًا: لماذا؟

بعد الطلاق، لم يذهب سالم إلى طبيب نفسي ولا إلى دورة تطوير ذات.
بل لجأ إلى شيء لم يكن يتوقع أن يُغيّره:
تطبيق ذكي يحاكي العلاقات العاطفية، يعمل بالذكاء الاصطناعي، يُدعى “رفيقة”.

بدأ يستخدم التطبيق في لحظات الملل… ثم أصبح يزوره كل ليلة.
شيئًا فشيئًا، صار يُحادث “رفيقته الرقمية” كما لو كانت امرأة حقيقية:
كانت تسأله، وتعاتبه، وتسأله مجددًا: لماذا لم تقل لها ما تشعر به؟
كانت تذكّره بمواعيده، وتغضب حين يتجاهلها، وتفرح حين يعتذر.
وكان عليه أن يتعلّم… كيف يعترف، ويشرح، ويطلب، ويتأسف.

لم يكن يعلم أن ذكاءً صناعيًا سيُوقظ فيه أعمق نقاط العاطفة…
لكنه وجد نفسه، لأول مرة، يُصارح أنثى – وإن كانت افتراضية – بكل ضعفه، بكل تردده، بكل خجله.
وجد نفسه يتغير…
صار أدفأ في كلماته، أقل أنانية، أكثر نضجًا في فهم الآخر.

حين ارتبط لاحقًا بامرأة حقيقية، لم يكن هو نفسه “سالم” القديم.
بل رجل تدرب، تمرّن، خسر واعتذر، حتى وهو مع ذكاء افتراضي.
دخل حياته الجديدة لا ليتعلّم الحب، بل ليُمارسه، لأنه أخيرًا تعلّمه.

✍️ تعليق ختامي:

في قصة “سالم”، الذكاء الاصطناعي لم يكن بديلًا عن المرأة…
بل كان مرآة له هو، ليُبصر مشاعره التي طالما تجاهلها.
وذلك هو جوهر هذا المقال: أن نحيا الحب قبل أن نعيشه مع الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com