جريمة في الملحق

كانت ( عايشة ) فتاة نشيطة وحيوية تجيد اسلوب الحديث بالإضافة إلى أنها طباخة ماهرة واجتماعية جداً رغم اعاقتها التي كانت عبارة عن مشكلة في احدى رجليها بسبب اصابتها بشلل الأطفال وهي طفلة مما يجعل لديها صعوبة في تحمل اي جهد حركي لوقت طويل لذلك لم تكمل دراستها واكتفت بالعناية بمنزل اسرتها التي تحبهم وتتفانى في خدمتهم وجيرانها الذين هم في سلم اولوياتها ، كانت (عايشة ) يتيمة الأب
ومع مرور الوقت وجدت نفسها وحيدة لاأخوات ولا اخوة فالكل بنى حياته وكون اسرته وانشغل في مصالح ذاته واصبحت شبه منسيه سوى من والدتها الكبيرة في السن المقعدة والتي تقوم برعايتها وحدها لذلك احتاج الأمر الى الإستعانة بخادمة وسائق للمساعده .
السلم الخشبي
كيف كانت عائشة تقضي وقت فراغها ؟
كان منزل والدتها كبيراً نوعاً ما وكان المطبخ والمستودع مستقلان عن باقي البيت ، التصميم المفضل عند الغالبية لتجنب أي طوارئ قد تحدث في المطبخ وتطال المنزل ،
ومن خلف المطبخ كان هناك جداراً يفصل بين منزلها ومنزل صديقتها المقربة فكانت تستعين بسلم ٍ خشبي لمقابلتها والحديث معها لساعات طويلة في أي وقت حتى في ساعات متأخرة من الليل .
و كانت صديقة عايشة هي الأخرى تستعين كذلك بسلمٍ آخر لنفس الغاية فتلتقيان كقطتين على الجدار لكن جارة عائشة كانت بدينة الجسم نوعاً ما الأمر الذي أدى إلى أن يختل توازنها ذات يوم لتسقط من على السلم وتصاب بكسر في رجلها مما أحزن والدها الذي يحبها كثيراً ويدللها ولا يكاد يرفض لها طلباً فهي ابنة شيبته الغالية وآخر العنقود ولأن رب ضارة نافعة) فقد قرر والدها الاستغناء عن السلالم واستبدالها بالنوافذ لذلك قام بفتح نافذة صغيرة بينهما لكي يسهل عليهما اللقاء والحديث وتبادل أطباق الطعام .
الإعاقة فكرية وليست جسدية
كانت عايشة عصبية المزاج حادة الطبع صاحبة أمر ونهي وقوية الشخصية لكنها كثيرة الشكوى والتذمر خصوصا من وضعها الصحي ومجتمعها الذي لايرحب بفكرة الارتباط من فتاة لديها إعاقة وعليها أن تقبل برجل معدد لأنها تعاني من عيب خلقي ليس لها يد فيه ويتجاهلون مواهبها ومهاراتها التي تتميز بها عن باقي بنات جنسها
و حتى لو أراد التقدم لها شاب فإنه سيقابل بالرفض من والدته وأسرته ولن يسمح له بذلك .
كانت عائشة تجيد جميع الأعمال والحرف اليدوية وكانت أنيقة المظهر مواكبة لكل جديد في الموضة واثقة من نفسها كثيراً وتتمتع برشاقة وطول في قامتها و ذات كبرياء و نفس أبية .
ولذلك كانت دائماً تفضفض لصديقتها عن معاناتها من هذا الأمر فتقول ؛ لقد تجاوزت الثلاثين ولم يدق بابنا شاب ولن أقبل الزواج بكهل ، تصوري حتى اختي الصغيرة التي ربيتها وكنت أخاف عليها أن تؤذي نفسها وكانت طلباتها مجابة تصوري أن يتقدموا لها متجاوزين مشاعري ويخطبونها وهي لم تكمل الثانوية بعد ! لقد كسروا قلبي عندما فضلوها وهي لاتعرف أن تسلق بيضاً ، لتواسيها صديقتها ، بقولها ؛ لست وحدك ياصديقتي فأنا كذلك لايتقدم لي سوى رجل كبير او متزوج لأنني بدينة ولم اكمل دراستي رغم اني أجيد كل أعمال المنزل والطبخ كما تعلمين وفضلوا اختي التي تكبرني لأنها معلمة و أجمل مني ، فالشباب يعزفون عن الزواج بنا ويبحثون عن الجميلات والموظفات ثم يقولون بعد ذلك زوجاتنا لايطبخن لنا ويهملن في شؤون البيت والزوج والأطفال ، فماذا نفعل ! هذا هو نصيبنا فالنصبر ونحتسب الأجر والعوض على الله .
اليوم الموعود
في ساعة متأخرة من الليل ، تنادي عائشة عاملتها الهندية لمساعدتها في حمل والدتها (ياميري ياميري ياميري ) أين ذهبت (ميري ) ويعلو صوتها أرجاء البيت ولا مجيب بحثت في كل زاوية وكل غرفه ولكن أين اختفت ميري ذهبت الى السائق لتسأله هل رآها أم لا ! هل خرجت من البيت هل يعلم عنها شيئاً ! ولكن ياللمفاجأة السائق غير موجود كذلك ، أين تراه ذهب هو الآخر!
أخذت تنادي بأعلى صوتها ( كومار) (كومااااار) أين ذهبتم أنجدوني ، ياإلهي ا ين تراهم قد ذهبوا فالسيارة موجودة والباب الخارجي مغلق !
انطلقت عائشة مسرعة لتخبر صديقتها بما يجري ، فهمت بفتح النافذة مذهولة لما حدث ويحدث لها في البيت لكن الموت كان في انتظارها في الملحق ، سمعت صديقتها صرخة غريبة تأتي من خلف النافذة فأسرعت نحوها ، وبقوة دفعت النافذة لترى صديقتها عايشة ملقاة على أرض الملحق لاحراك لها مفتوحة العينين فاغرة الفم والعاملة تصرخ بجانبها وتلطم !كان يوماً شديد البأس على والدتها العاجزة وجيرانها وصديقتها التي انهارت ، وبعد أن تم نقلها إلى المستشفى تبين بالطب الشرعي أنها قد فارقت الحياة خنقاً وقد اكتسحت الزرقة وجهها وشفتيها .
فمن كان المتهم الذي قام بجريمته النكراء ؟
وماهي الأسباب التي دعته لذلك ،وأين كانت الخادمة والسائق ،وهل كان لهما علاقة بموتها ، ومن يكون غيرهما ! ولماذا فعلا ذلك اذا كانت قد ماتت غدراً ؟ فتلك التساؤلات لازالت تتردد رغم مرور وقت طويل على الحادثة ،وعن سبب تخلصهما منها ، هل لأنها قد تكون وقعت عليهما في (وضع مخل ) وأرادا التخلص منها خوفاً من الفضيحة والعقاب ، وهذا احتمال وارد ، بل إنه أمرُُ لايقبل الشك ، ام ماذا ؟.
وعند إحالتهما للتحقيق تم التنازل من قبل ذويها وإغلاق ملف القضية وإخلاء سبيلهما وطي السجل وإبعادهما بعد تسليمهما متأخراتهما من الرواتب
وهكذا انتهت حياة عائشة في لحظة رخيصة ، ظلماً وعدواناً ، على يد فاعلٍ رخيص وذهبت معها أحلامها وأمانيها واصبح بيتها خالياً وأُغلقت النافذة التي كانت تجمعها بصديقتها إلى الأبد .
“كلمة ”
هذه القصة مثال آخر حقيقي على عدم صحة بعض ماتناقلته وسائل التواصل عن فيلم حياة الماعز
ومافيه من تشويه النظرة للشعب السعودي ككل في معاملته للوافدين . فقد ذكرني العفو عن العامل الذي قام بالتخلص من كفيلة في الفيلم بهذه القصة الواقعية لكي أعيد النظر فيها .
الكاتبة : هياء الدوسري

